حتمية التحول الرقمي للشركات الصغيرة والمتوسطة

 

اصبح التحول الرقمي في هذا العصر ضرورة حتمية لاستمرارية الأعمال وازدهارها وقد استشرفت بعض الشركات الكبرى مثل “Amazon” و”Google ” و ” Wall Mart” هذه المعضلة في العقد قبل الماضي وسعت الي تجاوزها بل واغتنام فرصها ببدء برامج التحول الرقمي مبكرا وبناء الاستراتيجية والحوكمة المناسبة وتعديل ثقافة المؤسسة وتطوير مهارات الموظفين على كافة المستويات وذلك لإدارة التحول  بشكل سليم ومخطط له ،  لاحقا أدركت شركات اخرى مثل “Home Depo”  مُعْضِلَة التَّحَوُّل لَكِنَّهَا لَمْ تَبْدَأ برامجها لِلتَّحَوُّل إلَّا مُتَأَخِّرًا مِمَّا أَثَّرَ عَلَى قِيمَتِهَا السوقية وحصتها فِي السُّوقِ ، وَيُوجَد شَرِكات أُخْرَى أَدْرَكْت مُعْضِلَة التَّحَوُّل الرقمي لَكِنَّهَا لَمْ تَبَادَرَ إِلَى التَّغْيِيرِ وَالتَّحَوُّل مِثْل ” NOKIA” و” JCPenney” فَكَانَت النَّتِيجَةِ أَنْ هَذِهِ الشَّرِكَات انْتَهَت وَمَاتَت وَحَلّ شَرِكات أُخْرَى مَحَلِّهَا وحازت حِصَّتَهَا السوقية .

وَمَع وُقُوع الْوَبَاء الْعَالَمِيّ كوفيد-19 فِي أَوَاخِرِ عَام 2019 زَادَت حَتْمِيَّةٌ التَّحَوُّل الرقمي عَلَى جَمِيعِ الأصعدة وَفِى كَافَّة أَنْوَاع الْأَعْمَال وَالأنْظِمَة الاقْتِصَادِيَّة فَقَد أَدَّت ظُرُوف الْإِغْلَاق التَّامّ الَّذِي فَرَضْتَه الْحُكُومَات كنتيجة لتفشى الْوَبَاء إلَى إفْلَاس عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنْ الشَّرِكَات وانكماش الْأَسْوَاق وَضَعَّف الِاقْتِصَاد الْعَالَمِيّ وَارْتِفَاع نُسِب الْبَطَالَة وَفَقْد الْكَثِيرِين – مُثْلى – وَظَائِفهم وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ كَانَتْ هَذِهِ فِرْصَة لنمو أَعْمَال أُخْرَى لشركات أَتَمَّت مَشارِيع التَّحَوُّل الرقمي بِنَجَاح مِثْل شَرِكَة “Amazon” الَّتِي تضاعفت أَعْمَالِهَا و قِيمَتُهَا السوقية وَكَذَلِك الشَّرِكَات الَّتِي تَقَدَّمَ تطبيقات تَخْدُم بَرامِج التَّحَوُّل الرقمي مِثْل شَرِكَة “ZOOM” الَّتِي تضاعفت قِيمَتُهَا السوقية أَيْضًا ، فِيمَا قَدْ خَسِرْت شَرِكات كُبْرَى أُخْرَى تَعْمَلُ فِي قطاعات تِجَارَة التَّجْزِئَة وَالْمَطَاعِم والسياحة وَالطَّيَرَان حَتَّى أَنَّهَا أُغْلِقَت كَثِيرٍ مِنْ أَسْوَاقُهَا وَفُرُوعِهَا وَسَرّحَت الْكَثِيرِ مِنْ مُوَظَّفِيهَا مِثْل شَرِكات “Starbucks ” و ” Ascena Retail” و ” Hertz ” واتجهت إلَى تَفْعِيلٌ وَإِسْرَاع بَرْنَامَج تَحَوُّلُهَا الرقمي لتعويض خَسَارَتِها وَانْخِفَاضٌ حصصها السُّوقَية .

وَمَع تَحَوَّل الْأَسْوَاق وَالِاقْتِصَاد الْعَالَمِيّ إلَى اعْتِمَادٍ نَمَاذِج الْأَعْمَال الرَّقْمِيَّة ” Digital Business Models” أَصْبَح لزاماً عَلَى الشَّرِكَات الصَّغِيرَة وَالْمُتَوَسِّطَة “SMEs” التَّحَرُّك بِسُرْعَة أَكْبَر لِلتَّحَوُّل الرقمي لِمُوَاجَهَة الضغوط الْمُحْتَمِلَةِ الَّتِي قَدْ تَنْشَأُ عَنْ تَغَيُّرِ طَبِيعَة الْأَسْوَاق وَطُرُق الْعَمَل الْجَدِيدَة ، بَل وَانْتِهَاز الفُرَص وَالْفَوَائِد الْمُحْتَمَلَة نَتِيجَة التَّحَوُّل الرقمى مِثْل الْأَسْوَاق النَّاشِئَة وَتَغَيَّر سُلُوك العملاء .

عَلَى الرَّغْمِ مِنْ الْفَوَائِدِ الْهَائِلَة الْمُحْتَمَلَة لِلتَّحَوُّل الرقمي لِلْأَسْوَاق وَالْأَعْمَال ، فَإِن الشَّرِكَات الصَّغِيرَة وَالْمُتَوَسِّطَة (SMEs) يُحْتَمَلُ أَنْ تَتَخَلَّفَ فِي التَّحَوُّلِ الرقمي وَلَا تَسْعَى إلَيْه كفرصة أَو مَطْلَبٌ حَقِيقِيٌّ لاستمرارية الْعَمَل وغالباً مَا يَكُونُ هَذَا ناشئاً عَنْ عَدَمِ اسْتِيعَابِ أَمَر التَّغَيُّر وَالتَّغْيِير بِرُمَّتِه أَوْ ارْتِفَاعُ تكاليفه أَوْ عَدَمِ وُضُوح الْعَائِد الْمَالِيّ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الِاسْتِقْرَار النِّسْبِيّ لِلْأَسْوَاق وَعُمَلاَء الشَّرِكَات الصَّغِيرَة وَالْمُتَوَسِّطَة ، وَلَكِنْ مَا رَأَيْنَاهُ مِنْ نَتَائِجِ وَخِيمَةٍ عَلَى الشَّرِكَاتِ الكُبْرَى الَّتِي لَمْ تِسْع لِلتَّحَوُّل وَالتَّغَيُّر ستنعكس صُورَتُه عَاجِلاً أوْ أَجَلًا عَلَى الشَّرِكَات وَالْأَسْوَاق الْأَصْغَرِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِالْفِعْل قَدْ حَدَثَ هَذَا ، وَمَن الْمُحْتَمَلِ أَنْ يَكُونَ انْتِهَاءُ الشَّرِكَات الصَّغِيرَة وَالْمُتَوَسِّطَة انتهاءً دراماتيكيا يُحَدِّث بِحُلُول شَرِكات أَكْبَر تمتلك التكنولوجيا والاستعدادات الْمَادِّيَّة لغزو الْأَسْوَاق وَقَدْ يَكُونُ مِثَال شَرِكَة ” Uber” الْمِثَال الْأَفْضَل لِتَوْضِيح هَذِه النُّقْطَة ، فَإِنَّ ظُهُورَ شَرِكَة ” Uber” وَتطْبِيقُهَا عَلَى الْهَوَاتِف الذَّكِيَّة أَضَرّ كَثِيرًا بِسُوق السَّيَّارَات الْأُجْرَة وَأَدَّى إلَى فَقْدِ العَدِيدِ مِنَ سائقي السَّيَّارَات الْأُجْرَة لوظائفهم أَوْ تَحَوَّلَ بَعْضُهُمْ إلَى سَائِقِين عَامِلَيْنِ فِي شَرِكَةِ ” Uber” .

مَع تَسَارَع التَّقَدُّم التِّقْنِيّ وَارْتِفَاع فَاتُورَة حِسَاب التَّحَوُّل الرقمي زَادَت الفجوة الرَّقْمِيَّة بَيْن الشَّرِكَات الصَّغِيرَة وَالْمُتَوَسِّطَة وَالشَّرِكَات العملاقة الَّتِي بَاتَت تُسْتَخْدَم أَحْدَث التقنيات لِلْمُنَافَسَة عَلَى حِصَصٍ السُّوق الْأَكْبَر وَالْوُصُولُ إلَى المستهلكين والعملاء بِطَرِيقِه أَسْهَل وَأَقَلّ تَكَلُّفُه مِمَّا بَاتَ يُشْكِل خَطَرًا عَلَى اِسْتِمْرارِيَّة وفاعلية الشَّرِكَات الْمُتَوَسِّطَة وَالصَّغِيرَة ككيانات مُنْتِجَةٌ فِي الْأَسْوَاقِ الْمَحَلِّيَّة والعالمية وَأَصْبَح ، وَإِنْ حَدَثَ وَتَأَخَّرَت الشَّرِكَات الصَّغِيرَة وَالْمُتَوَسِّطَة عَنْ سُرْعَةٍ تَفْعِيلٌ بَرامِج التَّحَوُّل الْمَبْنِيَّةِ عَلَى إِسْتراتِيجِيَّة وَاضِحَةٌ فَإِنَّهَا سَوْف تَكُون عِرْضَه لِتَوَقُّف أَعْمَالِهَا وَفُقْدَان عملائها وَانْتِهَاء الشَّرِكَة وتصفيتها لِصَالِح الشُّرَكَاءِ أَوْ الدائنون بِشَكْل يُهَدِّد الِاقْتِصَاد عموماً بِمَزِيد مِنَ الْبِطَالَةِ وَفُقْدَان الْمَزِيدَ مِنْ الْوَظَائِفِ .

تَقَدَّم تقنيات التَّحَوُّل الرقمى مِثْل الذَّكَاء الاصطناعى ” AI ” و الطَّبَاعَة ثُلَاثِيَّة الْإِبْعَاد ” 3D Printing ” و العُمْلاَت الرَّقْمِيَّة ” Blockchain” والانترنت ” Internet” وانترنت الْأَشْيَاء ” IoT” وَغَيْرِهَا مِنْ التقنيات الْمَعْرُوفَة فُرَص وَحُلُولٌ مَطْرُوحَةٌ تُسَاعِد فِي تَحَوُّلٍ ونمو الْأَعْمَال الْمُتَوَسِّطَة وَالصَّغِيرَة بَل وَخَلْقٌ فُرَص عَمِل جَدِيدَة وَظُهُور مخططات عَمِل مُخْتَلِفَةٌ عَن الطُّرُق التَّقْلِيدِيَّة الَّتِي اعْتَادَهَا السُّوق وَأَلِفُهَا العملاء مِمَّا يُسَاعِد فِي اِسْتِمْرارِيَّة هَذِهِ الْأَعْمَالُ وَرَفَع مُسْتَوَى الْمُنَافَسَة و كَذَلِك تَقْلِيل الفجوة الرَّقْمِيَّة بَيْنَهَا بَيْن الشَّرِكَاتِ الكُبْرَى

 أَن الشَّرِكَات الْمُتَوَسِّطَة وَالصَّغِيرَة مِنْ أَكْثَرِ أَنْوَاع الْأَعْمَالِ الَّتِي تُحْفَظُ الِاسْتِقْرَار الاقْتِصَادِيّ الْعَالَمِيّ وَتَوَفُّر مَا يَزِيدُ عَنْ 80% مِنْ فُرَصِ العَمَلِ فِي الْأَسْوَاقِ الْمَحَلِّيَّة والعالمية وَكَذَلِك تُشْكِل قَاعِدَةٌ أساسية لدعم الْمَشْرُوعَات العملاقة الَّتِي تَقُومُ بِهَا الشَّرِكَاتِ الكُبْرَى وتساهم بِمَا قَدْ يَزِيدُ عَنْ 20% إلَى 30 % مِن النَّاتِج الْمُحَلَّى فِي الدُّوَلِ النَّامِيَة والمتقدمة لِذَلِك تَهْتَمّ الْحُكُومَات دَائِمًا بدعم هَذِه الْمُؤَسَّسَات سَوَاءٌ بالقروض الْمَيْسَرَة أَو بِتَوْفِير الخِبْرَات الْعَمَلِيَّة لِإِدَارَة الْمَشْرُوعَات وَغَيْرِهَا الْكَثِيرِ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّعْم الْمُبَاشِر وَغَيْر الْمُبَاشِر ، وَبِالرَّغْم مِنْ هَذَا فَإِنَّ العَدِيد الْحُكُومَات لَمْ تَتَوَجَّهْ “بعد” إلَى دَعْم هَذِه الشَّرِكَات فِي عَمَلِيَّة التَّحَوُّل الرقمي بِمَا يَضْمَنُ بَقَاءَهَا وَاسْتِمْرَار عَمِلَهَا وبالتبعية اسْتِقْرَار الاقْتِصَادِيّ الْمُحَلَّى والعالمى وَأَدعو هَذِه الْحُكُومَات لمَزِيد مِنْ الدِّرَاسَةِ لِفَهْم دَوَاعِي التَّحَوُّل الرقمي للشركات الْمُتَوَسِّطَة وَالصَّغِيرَة ومخاطر عَدَمِ التَّحَوُّلِ الرقمى وَذَلِكَ فِي ضَوْءٍ التَّغْيِيرَات الاقْتِصَادِيَّة الْحَالِيَّة والمستقبلية ، وَيُعَدُّ مَا شَهِدْته الشَّرِكَات الْمُتَوَسِّطَة وَالصَّغِيرَة مِن إغْلَاق وَإِفْلَاس وَفُقْدَان وَظَائِفُ فِي ظُرُوفِ الْحَظْر الْكَامِل بِسَبَب كوفيد-19 شَاهِدًا حياً عَلَى ضَرُورَةِ قِيَام الْحُكُومَات بتطوير بَرامِج خَاصَّة بِالتّحَوّل الرقمي لدعم الشَّرِكَات الْمُتَوَسِّطَة وَالصَّغِيرَة كَخُطْوَة أُخْرَى مِنْ الدَّعْم الْعَامّ لِلِاقْتِصَاد فِي هَذِهِ الدُّوَل وَالِاسْتِفَادَة مِنْ فُرَصِ خَلَق الْوَظَائِف الْجَدِيدَة وَتَحْقِيق النُّمُوّ الشَّامِل والمستدام .

  د. عمرو عكاشة

 استشارى التكنولوجيا و التحول الرقمى

How useful was this post?

Click on a star to rate it!

Average rating 4 / 5. Vote count: 2

No votes so far! Be the first to rate this post.

0 replies

Leave a Reply

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *